أقوال خالدة عن العطاء

عنوان المقال: أقوال خالدة عن العطاء

يُعد العطاء قيمة إنسانية عظمى تمثل جوهر العلاقات النبيلة بين البشر، وهو من أرفع الفضائل التي تعكس نبل النفس، ونقاء القلب، وسخاء الروح. وقد تغنت به الحضارات، واحتفت به الأديان، وخلّدته الأدبيات والآداب، لما له من أثر بالغ في تهذيب النفوس، وبناء المجتمعات، وإشاعة مشاعر المودة والتكافل. وليس العطاء مقتصراً على المال فحسب، بل يشمل الوقت، والكلمة الطيبة، والجهد، والمعرفة، والمشاعر، وكل ما من شأنه أن يُحدث فرقاً إيجابياً في حياة الآخرين.

في هذا السياق، نستعرض مجموعة من الأقوال العميقة والخالدة التي قيلت عن العطاء، والتي شكلت عبر العصور مرآة لقيم سامية ترتقي بالإنسانية وتسمو بها نحو ميادين الخير والبذل والإيثار.

العطاء في أقوال الحكماء والفلاسفة

عبر العصور، كان العطاء محوراً هاماً في تفكير الفلاسفة والحكماء، باعتباره أحد أشكال تحقيق الذات والارتقاء بالروح:

• سقراط قال: “ليس الغني من يملك كثيراً، بل من يعطي كثيراً”. هذه المقولة تفضح المفهوم السائد للغنى، لتربط بين الكرم الروحي والغنى الحقيقي.

• أرسطو اعتبر أن العطاء هو أحد تجليات الفضيلة، وقال: “الكرم ليس في ما تملك، بل في ما تهب”. وهو ما يشير إلى أن العطاء مرتبط بالإرادة قبل الإمكانات.

• ماركوس أوريليوس، الفيلسوف الروماني، قال: “ما نفعله من خير للآخرين يبقى للأبد”. وهذا يرسخ فكرة أن العطاء يترك أثراً يتجاوز اللحظة الزمنية.

• أفلاطون رأى أن: “العطاء الحقيقي هو الذي لا ينتظر مقابلاً”. وهو تأكيد على نقاء النية وسمو الدافع.

• كونفوشيوس أشار إلى بُعد العطاء الأخلاقي: “من لا يعطي لا يستحق أن يُعطى”. وهذه نظرة تعكس عدالة تبادلية على مستوى القيم.

العطاء في الأدب العربي

الأدب العربي زاخر بالنصوص التي مجدت العطاء، سواء في الشعر أو النثر، وقد اعتبره العرب من خصال المروءة والشرف:

• المتنبي قال:
  
  إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ
  
  وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
  
  في إشارة إلى قيمة العطاء الموجه للناس الأسوياء أخلاقياً.

• الشافعي ذكر في أحد أبياته:
  
  وخيرُ الناسِ ذو حسبٍ قديمٍ
  
  أقام لنائلِ المعروفِ وزنا
  
  وهنا يُبرز العطاء كجزء من النبل والمكانة.

• زهير بن أبي سلمى صوّر الكرم على أنه زينة الرجال:
  
  ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ
  
  وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ
  
  فالعطاء لا يخفى، بل يُعرف ويضيء مسيرة المعطي.

• الإمام علي بن أبي طالب له كلمات خالدة: “ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النية”. وقد قُرئت هذه العبارة في سياق العطاء باعتبار النية الخالصة أهم من حجم العطاء.

العطاء في الأديان السماوية

الإسلام

العطاء في الإسلام يُعد من أسمى القربات. جاء في القرآن الكريم:

{وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} [البقرة: 273]

وقال النبي محمد ﷺ: “اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المُعطية”.

ومن أشهر أقواله عليه الصلاة والسلام: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”. وهي دعوة شاملة للجميع بالبذل مهما قلّ ما يملكون.

المسيحية

في الكتاب المقدس: “كل من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده” [متى 5: 42].

كما جاء فيه: “المعطي المسرور يحبه الله” [2 كورنثوس 9: 7]، لتأكيد أن البذل يجب أن يكون طوعاً وبفرح.

اليهودية

التلمود يتضمن مئات التعاليم المرتبطة بالزكاة والإحسان:

“الأعمال الخيرية ليست فقط ما تعطيه، بل كيف تعطيه”.

وهو تأكيد على الأثر النفسي المصاحب للعطاء، لا مجرد العملية المادية.

صور العطاء في الحياة اليومية

العطاء لا يعني فقط المال، بل يتجلى في العديد من الصور:

أقوال معاصرة عن العطاء

• نيلسون مانديلا: “ما يجعلنا بشرًا هو قدرتنا على العطاء دون انتظار مقابل”.

• هيلين كيلر: “العطاء هو عطر الروح الذي لا يفنى”.

• مايا أنجيلو: “لقد تعلمت أن الناس قد ينسون ما قلت، لكنهم لا ينسون أبداً ما جعلتهم يشعرون به من خلال عطائك”.

• الأم تيريزا: “ليس مقدار ما نعطيه هو المهم، بل مقدار الحب الذي نضعه في العطاء”.

العطاء كفلسفة حياة

تبني العطاء كنهج للحياة يخلق منظومة مجتمعية متكاملة مبنية على:

1. التكافل الاجتماعي: كل فرد يدعم الآخر، مما يخلق توازناً في توزيع الموارد والدعم.

2. التنمية البشرية: حين يُعطى الإنسان فرصة أو دعم، يثمر أكثر لنفسه ولمجتمعه.

3. التربية الأخلاقية: الأطفال الذين ينشؤون في بيئة معطاءة ينمون على قيم التضامن والسخاء.

4. التوازن النفسي: دراسات علم النفس الإيجابي أثبتت أن العطاء يحفز هرمونات السعادة ويقلل التوتر.

5. الاستدامة الاجتماعية: المجتمعات المعطاءة تقل فيها نسب الجريمة والتهميش.

أثر العطاء على النفس والمجتمع

العطاء لا ينفع المُعطَى له فقط، بل يعود على المُعطي أيضاً، ويتجلى أثره في:

• رفع المعنويات: من يعطي يشعر بأهميته وفعاليته.

• تعزيز الانتماء: الشخص الذي يساهم في المجتمع يشعر بانتماء أكبر له.

• تنمية روح القيادة: لأن القادة الحقيقيين هم من يبذلون أولاً.

• تحقيق الذات: العطاء يملأ فراغات داخلية لا يملؤها المال أو النفوذ.

• إشاعة الأمل: عندما يرى الناس صوراً من العطاء، ينتعش الأمل في نفوسهم.

الختام

العطاء ليس مجرد فعل خارجي، بل فلسفة وجودية تنبع من قلب مفعم بالحياة والرحمة والضمير. وهو يعلو بصاحبه حتى يصبح العطاء ذاته غاية لا وسيلة، وممارسة متجذرة لا طارئة. الأقوال التي قيلت عن العطاء ليست مجرد كلمات نُظمت في حكمة أو بيت شعر، بل هي مرايا صافية تعكس تجارب إنسانية عميقة، تدعو كل فرد لأن يكون مصدراً للنور، وبذرة خير تُثمر في حقول الحياة، وتترك أثراً لا يزول.

المراجع:

1. ابن قيم الجوزية، الفوائد.

2. ألبرت شفايتزر، The Philosophy of Civilization.